النسخ:

تأتينا هذه الصّورة الفوتوغرافيّة من الغابون، وتصوّر لنا توقيع اتّفاق الاستقلال بين فرنسا والغابون في السّابع عشر من أغسطس من عام 1960. ملتقط الصّورة هو بلاز بارايزو وهو من المصوّرين الفوتوغرافيّين الأفارقة القلائل الّذين يعملون اليوم في هذا المجال. ومن المفارقة أنّ الأرشيف الغابونيّ لا يمتلك أيّة صور عن مراسم يوم الاستقلال، كما أنّ مجموعة أعمال بلاز بارايزو الّتي تصوّر التّحوّلات السّياسيّة في الغابون لم تقع المحافظة عليها في أيّ مكان سواء داخل الغابون أو خارجها. وكان صديق لابن بارايزو قد مدّني بهذه الصّورة الفوتوغرافيّة وطلب منّي أن يتمّ اعتمادها وحفظ حقوق تأليفها، كما أوصاني أن يتمّ النّفاذ إلى مجموعة أعماله هذه من طرف الجميع.

 

 

إنّ الّذي وقع في الغابون هو للأسف أمر اعتياديّ، فمجموعة الأعمال الثّريّة الّتي أنتجها المصوّرون الفوتوغرافيّون المحلّيّون في آسيا وأفريقيا خلال الفترة الانتقاليّة من الاستعمار إلى الاستقلال في منتصف القرن العشرين هي في حقيقة الأمر أعمال معرّضة للخطر والتّلف. ومن الأشياء الواعدة الّتي تثلج الصّدر هو إنشاء معهد التّراث الأفريقيّ في البينين (EPA). ويعمل هذا المعهد مع الأرشيفات الإقليميّة ومع المصوّرين الفوتوغرافيّين على المحافظة على التّراث التّصويريّ للقارّة السّمراء. كما يقدّم المعهد دروسا تطبيقيّة في طريقة المحافظة وفي الرّقمنة، إضافة إلى تفسير هذا التّراث الثّريّ ونشره لدى النّاس.

 

 وفي جمهوريّة الكنغو الدّيمقراطيّة نظّمت سفارتها في بروكسال عرضا ضخما للأرشيف الفوتوغرافيّ والسّينمائيّ المتعلّق بتاريخ البلاد، وذلك ابتداءا من فترة الاستعمار وانتهاءا عند فترة الاستقلال. وهذه الأعمال هي أساسا نسخ مطابقة لمقتنيات المتحف الملكيّ لأفريقيا الوسطي وأرشيفه الفوتوغرافيّ. ويرجع تاريخ هذه الصّور إلى القرنين التّاسع عشر والعشرين، وهي تتناول مواضيع عدّة مثل الإثنوغرافيا والاكتشافات الأوروبّيّة، ومسائل مثل التمدّن والحياة الرّيفيّة والدّين والصّناعة والسّياسة ومختلف جوانب الحياة اليوميّة تحت الاستعمار البلجيكيّ. لا أحد من العلماء والمثقّفين ولا حتّى من موظّفي السّفارة نفسها يعلم بالضّبط كيف وصلت هذه النّسخ من الأرشيف إلى حوزة السّفارة.

 

 

 

تحصّلت الكنغو على استقلالها من بلجيكا في 30 يونيو من العام 1960، ولكنّ الغريب في الأمر هو أنّ الأرشيف في السّفارة يتوقّف ببساطة عند 29 يونيو من نفس السّنة. وهذه الصّورة الّتي يرجع تاريخها إلى التّاسع والعشرين من شهر يونيو هي آخر صورة في الأرشيف.

 

 

لا أحد في السّفارة يعلم حقيقة ما حدث للصّور المفقودة ليوم الاستقلال، فقد اختفى بكلّ بساطة قسم كامل من الأرشيف يوثّق فترة هامّة هي فترة الاستقلال. هل وقع فقدان هذه الصّور أم تمّت سرقتها، أم أنّها لم توجد بالأساس؟ فكلّ الصّور المتعلّقة بيوم الاستقلال مثل الصّور الفوتوغرافيّة لخطاب لومومبا وصور الخطاب المشين للملك بودوان وغيرها من الأرشيف هي بحوزة أياد غريبة مثل بنوك الصّور التّجاريّة – غاتي و كوربيس على سبيل المثال – أو هي على ملك مؤسّسات بلجيكيّة مثل المتاحف أو الوكالات الصّحفيّة.

 

في مارس من العام 2015 سأقوم بتقديم مشروعي «يوم الاستقلال 1934-1975» في شكل عرض فرديّ في رواق «بيتونصالون» في باريس (www.betonsalon.net). ويتضمّن العرض مواضيع تتعلّق بالكواليس وتلقي الضّوء على أبحاثي في هذا المجال، ومن بين هذه الكواليس الرّوايات والقصص الجانبيّة الرّائعة والأشخاص الّذين ساعدوني في النّفاذ إلى الأرشيف والأعمال الّتي قام بها الفنّانون والمثقّفون الآخرون والّتي تتقاطع اهتماماتهم مع الأعمال الّتي أقوم بها. وسيبدأ العرض في شهر مارس من العام 2015 إلى غاية يونيو أو يوليو من نفس السّنة، كما أنّنا سننظّم سلسلة متواصلة من الورشات والنّقاشات وغيرها من الأنشطة الحيّة في فضاء "بيتونصالون" الّذي يعتبر مركز الفنون والبحوث في باريس.

 

ومن خلال وجهة نظر فنّيّة وبحثيّة واجتماعيّة ستهتمّ هذه المرحلة الثّانية من المشروع باكتشاف الفترات الغامضة من التّاريخ الّذي يعبق بالمسائل الجغرسياسيّة المعاصرة، بالإضافة إلى دعم البحوث الميدانيّة من خلال تعزيز النّقاشات الحيّة والمنابر المفتوحة الشّاملة. وعلاوة على هذا البرنامج الخطابيّ فإنّ المشروع يسعى إلى خلق شبكة حيّة من المؤرّخين والباحثين والفنّانين المحليّين والدّوليّين تتناول مسائل ممارسات الأرشفة والرّوايات خلال الفترة الاستعماريّة وما بعدها من المنظار الاستثنائيّ ليوم الاستقلال.

 

 

 

سيرة الفنان

مريم جعفري فنّانة تعمل في ميدان التصوير الفوتوغرافي والسينمائيّ. لها معرفة واسعة بميدان الفنّ نمّتها أعمالها المتنوّعة وبحثها المتواصل. تتميّز أعمالها الفنّيّة بلغة تصويريّة توازن بين السّينما والمسرح ولديها سلسلة من التّجارب الرّوائيّة تتأرجح بين كتابة الحوار والوثائقيّ وبين الكتابات المجزّأة والكاملة. وهي متحصّله على باكالوريوس في الأدب الإنجليزي والأمريكي من جامعة براون وماجستير من معهد الفنون بجامعة نيويورك، كما أنّها متحصّلة على شهادة من البرنامج المستقلّ لمتحف «ويتني». وتعيش مريم جفري وتعمل في نيويورك وكوبنهاغن.


test