من تونس إلى لندن، ومن المحلي إلى العالمي
الثقافة كرافعة للتغيير
في حيّ "البحر الأزرق "، بالضاحية الشمالية للعاصمة تونس، يُثبت مركز الفنون B7L9 أنّ فضاء الإبداع يمكن أن يندمج في حياة الناس وأن يتحوّل إلى مكانٍ للتلاقي والتعلّم الجماعي. ويتمّ في إطاره تنظيم المعارض وورشات العمل والإقامات الفنيّة بروح ثقافة الضيافة، حيث يتقاسم الفنّانون معارفهم، ويتبادل الشباب المبدعون الخبرات مع سابقيهم. ومن خلال برامجه المفتوحة للعموم والمجّانية، يجعل B7L9 من الثقافة تجربةً جماعيّةً حيّة، ووسيلةً للإدماج والتغيير.
ومنذ عام 2013، أطلقت مؤسسةُ كمال الأزعر للثقافة والفنون بينالي الفن المعاصر"جَوْ تونس" في مبادرة منها تُخرج الفنون من الأروقة لتلتحم بالناس في الفضاءات العامة. وفي كلّ دورة من دورات البينالي، تتحوّل المدينة إلى مسرحٍ مفتوح ومنتدى شامل ومدرسةٍ لتجديد النظر والفكر. وإذّاك تصبح الفضاءات العامّة ميادين تبادلٍ تتقاطع فيها المسارات الفرديّة والجماعيّة. ويتوجه "جَوْ تونس" إلى الجميع، حيث يقترح أن نعيش الثقافة كتجربة ديمقراطيّة مشتركة.
ومن خلال مشروع"تلال أوتيك"، تقترح مؤسسة كمال الأزعر شكلًا جديدًا من العيش مع الطبيعة، لا لِتَمَثُّلِها، بل لابتكار ما يتناغم معها. وعلى مساحة اثنين وثلاثين هكتارًا من الزياتين والأنوار، يُشكّل "تلال أوتيك" واحةً ينسجم فيها الإبداع مع إيقاعات الحياة. ولقد تمَّ تصميمه من قبل المهندس البوركيني الحائز على جائزة "بريتزكر"، فرانسيس كيري. ويُعدُّ هذا الفضاء بمثابة قريةٍ إبداعية تجمع بين الإقامة الفنيّة ومنصات البحث، حيث تتناغم الفنون والبيئة وتقاليد الضيافة العريقة. وبالشراكة مع مؤسسة بورتيكوس، يجمع برنامج "الفنون من أجل الإنسانية"، الذي يحتضنه "تلال أوتيك"، بين التجارب المحليّة والرؤى العالمية. وهكذا يغدو فضاءً يلتقي فيه الفنّ مع الإيكولوجيا والإيتيقا لابتكار مقاربات مستدامة وتضامنية.
ومع بعث الفضاء الثقافي والفني "إبراز" بمدينة لندن، توسّع مؤسسة كمال الأزعر حضورها إلى ما وراء الجنوب العالمي لتُصبح صدًى لأصوات الأغلبية العالمية في قلب الشمال العالمي. ولقد وُلد "إبراز" سنة 2011 كمنصّة رقمية للدراسات النقدية في مجالات الفن المعاصر، ثمّ تحوّل في عام 2025 إلى فضاءٍ معماري بمدينة لندن يحتضن الحوار والبحث والإبداع. ويستلهم "إبراز" تجربة مركز الفنون B7L9 في التفاعل المشترك بين مرتاديه والتفكير الجماعي بينهم، والربط بين الجغرافيات والسياقات المتنوعة.
من تونس إلى لندن، تواصل مؤسسة كمال الأزعر للثقافة والفنون مسيرتها عبر بناء الروابط مع الناس والالتصاق بالميدان والبناء المشترك مع الآخرين. فهي توحّد الفعل بالفكر، والمحلي بالعالمي والمعرفة بالتجربة. وتظلُّ في كل ذلك وفيّةً لأفقها : نشر ثقافةٍ تغييريةٍ تُضيء الأمكنة كما تُنيرُ الوعي.








