النسخ:

 

في آخر أيّام شتاء 2015 دعيت إلى متحف الحضارات الأوروبّيّة والمتوسّطيّة في مرسيليا (MuCEM) للالتحاق ببرنامج إقامة فنّيّة يمتدّ على مدى خمسة أسابيع في مؤسّسة كامارغو في المدينة السّاحليّة الصّغيرة كاسيس قرب مرسيليا، وكنت في ذلك الوقت أمرّ بمرحلة جديدة في حياتي. كنت قد قطعت شوطا هامّا في عملي الفوتوغرافيّ بصدور آخر سلسلة لي بعنوان "شطّ مريم". وهذه السّلسلة هي من الأعمال الحميميّة الّتي تتناول موضوع الذّاكرة والأثر. ونوعا ما أحسست ببعض الحرّيّة مرّة أخرى وقبلت هذه الدّعوة. فقد استرعت اهتمامي هذه المغامرة في أصقاع أخرى من العالم.

 

وقد لفت نظري في هذا الفضاء الجديد شيء اسمه «رأس كاناي»، وهي كتلة صخريّة تهيمن على المدينة. فألفيت نفسي وحيدا مهووسا بهذا القالب من الصّخر، وألتقط نفس الإطار الفوتوغرافيّ لهذا الكيان تقريا كلّ يوم. فأصبحت حبيس دورة فوتوغرافيّة، حيث كنت ألتقط دون ملل أو كلل صورا لانعزالي ونزهاتي القصيرة في المدينة وصورا للصّخرة المشهورة.  

 

 

وانطلاقا من هذا التّراكم الفوتوغرافيّ كنت دائما أسعى إلى إعادة خلق هذه التّجربة وهذه الدّورة الفوتوغرافيّة في شكل شريط صور أو رواية مصوّرة يمكن نشرها. كنت أنوي نسخ هواجسي على الصّور السّالبة وإعادة تشكيلها عديد المرّات، وخربشتها ومسحها آليّا وإعادة مسحها وتكرار كلّ هذه العمليّة. كنت أنوي القيام بالطّباعة الفضّيّة مباشرة في مخبر مختصّ، واستعمال الموادّ الكيميائيّة والحمضيّة بغية:

 

اختبار حدود هذه الذّاكرة التّصويريّة

الاختبار إلى حدّ الاستنزاف

خدش جسد الصّورة

الخدش إلى حدّ الضّياع

الذّوبان في السّحب الحمضيّة

الذّوبان في العواصف

تأمّل أثر ريح المسترال على الصّخرة

التّأمّل إلى أن تغيب عن الأنظار.

في البداية كنت أظنّ أنّني سأتناول موضوع الصّور السّلبيّة وتحوّلها

ولكنّني ألفيت نفسي بصدد القيام بمونتاج لهذه الصّور

أركّبها، وأركّبها دون كلل أو ملل،

من أجل إعادة خلق نوع من الإطار،

وابتداع سلسلات، وحلقات، وفصول،

ونسخ هذه الفكرة الخام الّتي اعتملت في ذهني

وإعادة نسخ هذا الانعزال وهذه الوحدة وهذا الهوس بتلك الصّخرة المشهورة.

وتمخّض عن ذلك تقسيم إلى فصلين أو ثلاثة فصول

جزء أوّل أتناول فيه نزولي من القارب

الوجود المادّيّ الكلّيّ لهذه الكتلة من الصّخر

التّحرّك في هذه الأراضي المنعزلة، في النّهار كما في اللّيل

ظهور أوّل الرّؤى السّرياليّة،

أوّل الأشباح الحامضة، أوّل المتاهات...

 

سيرة الفنان

Fakhri El Ghezal, Le Rocher Essai n.1 (2015). Avec l'aimable autorisation de l'artiste.

ولد فخري الغزال في أكّودة سنة 1981 حيث يعيش ويعمل. وهو مصوّر فوتوغرافيّ ومصوّر فيديو تونسيّ كان قد تحصّل على شهادة في الفنون الجميلة من المعهد الأعلى للفنون الجميلة بتونس العاصمة، وشهادة في الفنّ والاتّصال من معهد الفنون الجميلة بنابل. 

 

في أعمال فخري الغزال الفنّيّة تصنع صوره الفوتوغرافيّة الجسد الّذي يحاول تشكيلها، وذلك من خلال وقع دائم للصّدى، ومن خلال تراوح بين ذاكرة الجسد وذاكرة الصّورة. كما أنّ الصّور علامات سريعة الزّوال على ورقة التّصوير. الوجوه والصّور، الأجساد والرّسم: تلك هي الأقطاب الّتي يتمحور حولها وتستحوذ على العمل الفوتوغرافيّ لفخري الغزال. ويضاهي عمله في حركته حركة الفأس عندما يرتفع إلى السّماء ثمّ يهوي على الأرض، فيجعل على مدى السّنين تكرارها الأرض خصبة من خلال جراحها. ويسمح هذا الجلد والصّبر الخصيب الغلّة تظهر شيئا فشيئا إلى أن يحين قطافها. كان الأمر نفسه في كلّ مرّة، وفي كلّ مرّة كان الأمر مختلفا. وصول ولكنّه ذهاب، وجوه ولكنّها رسوم، أجساد ولكنّها صور، أسود ولكنّه أبيض، سياسيّ ولكنّه حميميّ، قصّة خياليّة ولكنّها وثائقيّ، الذّات ولكنّها الآخر.

 

تمّ تقديم أعماله في عدد من المعارض والمهرجانات الدّوليّة، مثل الملتقيات الأفريقيّة للتّصوير الفوتوغرافي في باماكو، ومهرجان الفيلم الأفريقي في تاريفا بإسبانيا، ومركز الفنون ببيروت، ومركز الثّقافات المعاصرة ببرشلونة (CCCB)، وقاعة (Halles de Schaerbeek)  و(KVS) في بروكسال، ومعرض الفنّ في أبو ظبي، والمتحف الجديد في نيويورك، ومتحف الحضارات الأوروبّيّة والمتوسّطيّة في مرسيليا (MuCEM).


test