النسخ:

ما تركناه غير منجز هو عبارة عن سلسلة من النصوص، والصور، والرسومات والأفلام الوثائقية التي تعالج ظاهرتين مترابطتين هما: الأفلام التي لم يتم إنهاءها خلال ثلاث فترات من الاضطرابات السياسية والأنظمة المتغيرة في أفغانستان (1977، 1978-1979، و 1989-1992)، إضافة إلى المشاريع السياسية غير المنجزة من الثورة إلى المصالحة الوطنية، على النحو الذي ينعكس في هذه الأفلام والمقاطع. ما تركناه غير منجز مشروع تم تطويره والعمل عليه استنادا إلى أبحاث سابقة ومستمرة في محفوظات الأفلام الأفغانية، ومعهد الفيلم الوطني الأفغاني، ضمن إطار مشاركتي في مبادرة تهدف إلى فهرسة الأفلام وحفظها رقميا، وهو ما قادني إلى الكتابة عن تلك الأفلام والإشراف على برمجة بعضها للعرض. خلال عملي في هذا البحث اكتشفت أنه خلال ثلاث حقبات مختلفة من الاضطرابات السياسية، تم تصوير ما بين عشرة إلى خمسة عشر فيلما روائيا، لكنها لم تكتمل وتصبح جاهزة للعرض أبدا: نهاية جمهورية داوود، 1977، الانقلاب الشيوعي، وانشقاق الحزب الشيوعي، ثم الغزو السوفياتي، 1978-1979، ثم الانتقال من حكومة كارمال إلى حكومة نجيب وتسليم نجيب مقاليد السلطة إلى حكومة المجاهدين، 1989-1992. وحيث أن كل هذه الأفلام كانت ممولة الإنتاج من قبل المؤسسات الحكومية: مؤسسة الفيلم الأفغاني، وهو معهد ممول من قبل الحكومة، فإنها جميعا تعكس، بدرجات متفاوتة، خيال الدولة ورغباتها بحسب طبيعة الدولة وحكامها أثناء إنتاج كل من هذه الأفلام. والواقع أن هذه الأفلام ما تزال في طور ما قبل الإنجاز، أي في مادتها الخام، فإنها يمكن أن تصلح لاعتبارها وثائق عن رغبات الدولة وحكامها وخيالها العام، بسبب أنها لم تمنح فرصة الاكتمال فنيا ما يسمح لها بإخفاء بذور هذه الرغبات تحت غابة العمل الفني الوارفة.

 

استقصاءاتي الأولية تشير إلى أن كل مخرجي هذه الإفلام ما زالوا على قيد الحياة، رغم أن بعضهم هاجر إلى بلاد أخرى، كما أن بعض اللقطات المصورة محفوظة في أماكن أخرى، (وفي الغالب بسبب أن هذه اللقطات قد صورت في بلاد أخرى أثناء فترات التحول السياسي في البلاد). هذا على الرغم من أن حقوق التوزيع والنشر محفوظة لمؤسسة الفيلم الأفغاني.

 

مستندة إلى عملي المستمر في الأرشيف، سأحاول قدر ما أمكنني، أن أحصل على نسخ من هذه الأفلام كما صورت بالأصل – متعقبة آثار النصوص، الملاحظات، المخرجين، الكتاب، فرق العمل، وكل ما يمكن أن يكون مرتبطا بها. رغم أن محاولة ملء الفجوات قد تكون ضرورية، لربط القطع المتناثرة من هذه الأفلام في بوتقة موحدة، إلا أن هذه العملية، وبصرف النظر عن النتائج التي يمكن أن يتوصل إليها البحث، مهمة جدا وتكاد تعادل في أهميتها عملية استرداد تاريخ تلك الفترة وتجميع عناصره المتناثرة بحذر. وعلى غرار المتطلبات الجمالية لصناع الأفلام الأفغان يمكن تعقب المتطلبات التجميلية السياسية للقادة السياسيين الذين ساهموا بتمويل إنتاج هذه الأفلام – اليوم نتذكر نهايات مرحلة الشيوعيين الأفغان أكثر مما نتذكر بداياتها، ونتذكر تجاوزاتهم أكثر بكثير مما نتذكر مثلهم العليا – والتي قد تختفي في نفق الزمن. هذه الصور تجر خلفها حشدا من القرائن التي توضح، بمعنى ما، كيف كانت تنظر الدولة إلى صورتها أو كيف كانت تطمح لأن تكون عليه، وتجنح نحو تصوير ما تريده من مواطنيها وما تطرحه على نفسها، أكثر مما تعكس كيف سلكت مسالكها وكيف تعاملت مع الوقائع في هذه اللحظة أو تلك. جزء من هذا المشروع  يتصل بعملية الكشف عن تلك النوايا والرغبات، والبحث عن وسيلة لعرضها جنبا إلى جنب مع ما نعرفه اليوم عن تدهورها، أي تلك الرغبات، واتباعها إجراءات أقل نقاء من طموحاتها، وبكلام آخر، كشف ما تحاول الإفلام إخفائه من وقائع.  

 

وفي نهاية المطاف، أعتزم صناعة فيلم روائي يستمد مادته من بعض أو كل تلك الأفلام الناقصة – الفيلم الذي يمكن أن يروي، على نحو مباشر أو غير مباشر، قصة تلك السنوات المتطرفة من تاريخ أفغانستان – رغم أنني لست متأكدة، عند اكتمال البحث، إن كانت رغبتي بإنجاز هذا الأمر ستبقى على حالها، أو إن كانت ستكون عملية إنجازه ممكنة أصلا. وهذه الحيرة، في جزء منها، تعود إلى طبيعة ما تكشفه عملية البحث في الأرشيف، بوصفه امتحانا للنفس المنعكسة في تلك الأعمال، بطريقة أو بأخرى، مما يضع أخلاقيات البحث الأرشيفي على المحك. ما يعني أن التعامل مع الأرشيف على مدى فترة طويلة نسبيا، يجعلك تخاطر في احتمال استغلال المصنفات الموجودة في مصلحتك، (ولو في شكل مجتزأ)، فضلا عن أثر التبادلات المتنوعة بين الفنانين والأرشيف على العمل بشكل عام. 

 

 

الأرشيف المتطرف هو عبارة عن سلسة مشاريع وبرامج وعروض ونصوص تعالج فكرة الأرشيف المتطرف، والتي تتضمن في الوقت نفسه، أرشيف السياسات المتطرفة والممارسات على حد سواء، فضلا عن تقنيات الأرشفة المتطرفة التي تحيلنا إلى عمليات بناء، وتنظيم ونمو وصيانة هذا الأرشيف. اعتبار الأرشفة ضربا من الممارسات المتطرفة، هو في حد ذاته، نوع من النظر في طبيعة الأشياء والأمور التي تهتم بهذه السياسات وبحفظها وإبرازها، فضلا عن تلك التي قد تختفي ويتم إهمالها، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره، أيضا، نشاطا متطرفا في اقتصاد يواصل على الدوام بتركيز انتباهه لاجتزاء وتعيين بعض المسارات التي يجدر بها أن تختفي. 

 

فهرسة المحجوب (شيترا غانيش ومريم الغاني)

 

الفنانتان ستقيمان في المعهد الأميركي الآسيوي الباسيفيكي في نيويورك من أيلول/ سبتمبر 2013، وحتى أيار/ مايو 2014. وفي زمن الإقامة هذا ستعمل الفنانتان على سلسلة من العروض بالاشتراك مع A\P\A والجماعات المتحلقة حول جامعة نيويورك، هذه العروض ستكون متصلة بفكرة الأرشفة كممارسة متطرفة.

 

بدأنا نشاطات الإقامة في تشرين الأول\ أكتوبر، 2013، بمحاضرة حول فهرسة الأرشيف وفكرة «البيانات الدافئة»، التي طورناها للمشروع والتي تم تبنيها من قبل المنظرين المهاجرين و«الكوير». ثم سنعمل على عقد لقاء في جامعة نيويورك يجمعنا بالموظفين والطلاب الذين يعملون في مجال الأرشفة – وهذه المجموعة ستكون كبيرة نسبيا، وستضم الأرشيف الاجتماعي/ العمالي لدى تاميمنت (Tamiment)، (حيث توجد معظم الوثائق الخاصة بمحامي معتقلي غوانتانامو)، فضلا عن أرشيف فاليس داون تاون (أكزيت آرت، أرتيست سبايس، غروب ماترييل، فاشيون مودا، إيست فيلاج سكويتس، رايوت غرررل بابرز)، فضلا عن برنامج أرشفة الصورة المتحركة (Moving Image)، (الطلاب والكليات الذين عملوا على أرشفة مواد حركة «احتلوا»، والتلفزيونات العامة في الولايات المتحدة وإفريقيا وأميركا اللاتينية)، ومعهد كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى (الذي يملك أرشيف جاك شاهين الخاص بالتمثلات الاستشراقية في الثقافة الشعبية، من بين مواد أخرى)، وثمة أيضا معهد A\P\A نفسه، الذي كان المبادر الأول لرقمنة أرشيف الفن الأسيوي الأميركي. ومن خلال هذه المبادرة/ اللقاء سنعمل على تطوير مخطط للمؤتمر الذي سيتخذ له تاريخا في نيسان/ أبريل من العام 2014، والذي سينضم إليه عدد من العاملين في الأرشيف من دول مختلفة، فضلا عن أولئك الذين كانت لهم تجارب مهمة في إعادة بناء أو تهديم أو نبش أرشيفات ومحفوظات. الأرشيف المفهرس سيظهر في عدة صور في أماكن متنوعة ووفق عدة آليات، في السكن الجامعي ومحيطه، ومن هذه الآليات والصور تجهيزات على نوافذ كيميل سنتر، وسيظهر أيضا كمكتبات طفيلية ناتئة، لتشكل مكتبة داخل مكتبة في مقر أرشيف كيفوركيان وتاميمنت. 

 

أخيرا، سنعمل على إنتاج أرشيف متطرف جديد من خلال التعاون مع المحامين والمدافعين الحقوقيين المنتمين إلى معهد الحقوق الدستورية، لننظم معا معرضا لرسومات وأشعار معتقلي غوانتانامو، والكتابة حول ظاهرة الدروس الفنية في معتقل غوانتانامو، فضلا عن نشر بعض المنشورات حول الموضوع.

سيرة الفنان

مريم غاني، فهرس المفقودين: الأرشيف الطّفيلي, أفريل وماي 2014, مركز «كيفوركيان» للدّراسات حول الشّرق الأدنى. جميع الحقوق محفوظة للفنانة.

أبحاث مريم غاني تتنوع بين أعمال الفيديو، والعروص، والتصوير، والنصوص. عرضت أعمالها في ترانس ميديال في روتردام، وفي مهرجان (CPH:DOX) للأفلام، ودوكيمنتا 13، في كابول وكاسل، وفي موما بنيويورك، والناشونال غاليري في واشنطن، وفي بينالي الشارقة العاشر والتاسع. نصوصها المتأخرة نشرت في فيلم ميكر، وفورين بوليسي، وموس، وذا راديكال هيستوري ريفيو، وتريبل كانوبي، وكرياتيف تايم ريبورتس، وفي مدونة نيويورك ريفيو أوف بوكس. تعمل حاليا على فهرسة "الأرشيف التجريبي المحجوب" بالاشتراك مع شيترا غانيش، وعلى سلسلة عروض فيديو عن الأمكنة بالاشتراك مع مصممة الرقص إيرين كيلي، وعلى تنضيد أرشيف الفيلم الأفغاني على الإنترنت مع (pad.ma). حازت غاني على جوائز عديدة منها جائزة (NYFA)، منحة سوروس وفرند، وغراهام فوندايشن، و (CEC) آرت لينك، وميد أتلانتيك آرت فوندايشن، ومركز التلفزيون التجريبي، ونالت منحة إقامة من (LMCC)، محترف آي بيم، وسماك ميلون وأكاديمية شلوس سوليتيد.

 

تحمل غاني إجازة في الأدب المقارن من جامعة نيويورك (NYU) وإجازة من (SVA). وتدرّس في معهد (American\Asian\Pacific) في جامعة نيويورك  حيث تقيم بموجب منحة إقامة.


test