النسخ:

بدأ برنامج البنية التحتية وتطوير المخيّمات لمنظّمة الأنروا عمليّة تصميم تشاركيّة من أجل بناء ميدان عامّ في مخيّم الفوّار لللاّجئين. وفي هذا الإطار طُرحت العديد من الأسئلة بشأن التّداعيات الملموسة لبناء مقوّمات حضريّة تضاهي تلك الموجودة في المدن في مخيّم لللاّجئين، حيث تهدّد هذه المقوّمات الجانب الظّرفيّ للمخيّمات وتعرّض حقّ اللاّجئين في العودة إلى الخطر. فقد تبادرت إلى أذهان اللاّجئين السّنوات الأولى الّتي أتوا في إلى المخيّم، حيث أجبروا عندما حلّ الشّتاء على استبدال الخيام بجملة من الملاجئ. وبعد أن انتهوا من بناء الجدران المحيطة بالمخيّم رفضوا تشييد الأسقف لأنّ ذلك يعني نهاية المخيّم من حيث أنّه مكان ظرفيّ للعيش. وبعد ستّين سنة من التّهجير تواجه مجموعة اللاّجئين هذه معضلة جديدة: ما الّذي يعنيه بناء ساحة في ظلّ كفاحهم من أجل العودة؟ وبالتّوازي مع ذلك طرح هذا الأمر إشكاليّة أخرى: من الّذي سيستعمل الميدان، وخاصّة ماهو دور المرأة في هذا الفضاء العامّ الجديد؟ ومن الّذي سيعتني بهذا الفضاء في مكان يتداخل فيه الشّأن الخاصّ والعامّ ولا توجد فيه سلطة حاكمة؟ وبعد نقاشات طويلة وافقت مجموعة اللاّجئين على بناء ميدان مغلق تحيط به الجدران. ودون أن تقصد ذلك فقد طلبت هذه المجموعة تماما ما تمّ تشييده في السّنوات الأولى لبناء المخيّم، أي بيتا لا سقف له.

 

sandi-hilal-03.-the-square-ok-_w.jpg

الميدان. صورة: جامعة في المخيّم.
الميدان. صورة: جامعة في المخيّم.

 

وقد وجدت النّساء في مخيّم الفوّار في بناء هذا الميدان فسحة لا فقط للتّعارف بل للتّعلّم من بعضهنّ البعض. ففي هذه البيئة المعزولة أصبح فضاء التّعلّم هذا النّافذة الوحيدة الّتي تصلهنّ بالعالم الخارجيّ. ولكنّ هذه العمليّة تدريجيّة وشكّلت في بعض الأوقات تحدّيا كبيرا لهؤلاء النّسوة اللاّتي هنّ بصدد بناء خطاب يشرح ويبرّر مطلبهم المتعلّق بحقّهم في امتلاك الفضاء العامّ.

 

ويسعى المشروع إلى خلق رواية تسعى إلى تطوير علاقة النّساء في مخيّم اللاّجئين بالفضاء الّذي بُني خارج منازلهنّ، وتحاول إبراز التّحوّلات الّتي طرأت على هذه العلاقة ليس فقط من خلال تاريخ المخيّم ذاته وإنّما أيضا من خلال رحلة حياتهنّ من الطّفولة إلى النّسويّة.

 

وستنبثق عن هذا المشروع قصّة سرديّة باللّغتين العربيّة والإنجليزيّة، تنقسم إلى ثلاثة أجزاء وترافقها صور تبيّن التحوّلات الّتي طرأت على المنزل وعلى الميدان وعلى النّسوة في المخيّم. وسيكون الجمهور المستهدف لهذا المشروع الفتيات والنّساء في المخيّم، كما سيكون المصدرَ الأساسيّ لمعرض سيلتئم في مهرجان قلنديا الدّوليّ، وهو بيينال سينتظم في المدن والبلدات الفلسطينيّة في أكتوبر 2016.

 

والأجزاء الثّلاثة لهذا المشروع هي:

1. منزل بلا سقف: تشكّل المخيّم والانتقال من الخيام إلى الملاجئ

2. ساحة بلا سقف: عمليّة التّصميم، بناء السّاحة وتمظهراتها الحيزيّة

3. ثورة بلا سقف: حكاية النّساء وتشكّل حقّ النّساء في النّفاذ إلى الفضاء العامّ

 

sandi-hilal-fawwar2-_w.jpg

الميدان. صورة: جامعة في المخيّم.
الميدان. صورة: جامعة في المخيّم.

 

يمثّل هذا البحث جزءا من عمل تمّ القيام به في إطار مشروع "جامعة في المخيّم"، ويشارك فيه عدد من الشّبّان من خلال برنامج تعليم تجريبيّ يتناول الأشكال الجديدة للتّمثّلات المرئيّة والثّقافيّة المتعلّقة بمخيّمات اللاّجئين، وذلك بعد ستّين سنة من تهجيرهم. وقد أسّست ساندي هلال وأليساندرو بيتي لهذا المشروع الّذي يقوم على البحث والممارسة في إطار استوديو فنّ العمارة الخاصّ بهما وكذلك الإقامة الفنّيّة في جمعيّة «دار» للتّخطيط المعماري والفنّي (DAAR)، كما بدأ هذا العمل في الاهتمام بالبيداغوجيا النّقديّة من خلال برنامج تعليم تجريبيّ في مخيّم الدّهيشة لللاّجئين في بيت لحم. وتستضيف جمعيّة الفينيق الخيريّة هذا المشروع بالتّعاون مع جامعة القدس. (www.campusincamps.ps)

 

وفي السّنوات الثّلاث الأخيرة قدّم بعض الأكاديميّين وغير الأكاديميّين «دروسا» وحلقات دراسيّة للعموم مفتوحة للسّكّان المحلّيّين وللطّلبة من جامعات أخرى. ويستضيف مركز الفينيق الثّقافي والاجتماعيّ بالدّهيشة مشروع «جامعة في المخيّم»، ويوفّر فضاءات مخصّصة لقاعات الدّرس، وبهوا للمطالعة ومكتبة إدوارد سعيد، و«الخيمة الإسمنتيّة» الّتي توفّر برامج تعليميّة جماعيّة. ويشارك الطّلبة في تسع مبادرات مستمرّة يتمّ تطبيقها في ستّة من مخيّمات اللاّجئين. ومن بين هذه المبادرات ذلك العمل الّذي قامت به آية مع نساء مخيّم الفوّار في السّاحة العامّة.

 

ويعتمد مشروع «جامعة في المخيّم» اليوم على دعامتين أساسيّتين مرتبطتين ببعضهما البعض. أوّل هذين الدّعامتين هو التّعاون القائم بين عدّة مؤسّسات، حيث يتعاون مشروع «جامعة في المخيّم» مع ثلاث جامعات محلّيّة وثلاث أخرى دوليّة تقوم بتوفير الدّروس والحلقات الدّراسيّة وورشات العمل، وتقوم بإشراك الطّلبة وإطار التّدريس من الجامعات التّالية: جامعة بير الزّيت في فلسطين، والأكاديميّة الدّوليّة للفنون برام الله فلسطين، ودار الكلمة في بيت لحم فلسطين، وجامعة غولدسميث بلندن في المملكة المتّحدة، وجامعة ماردين في تركيا، وجامعة ليفين في بلجيكا. وثانيهما يتمثّل في الدّروس الّتي ينظّمها أعضاء «جامعة في المخيّم» والموجّهة لسكّان المخيّمات. وتجدر الإشارة أنّ هذه الدّروس تتغيّر كلّ سنة وذلك حسب اهتمامات المشاركين في البرنامج.

 

وسيتناول أحد الدّروس الّتي سيتمّ إدراجها في الدّورة القادمة موضوع الحركة النّسويّة في ساحة مخيّم الفوّار. وستقدّم ساندي هلال هذا الدّرس الّذي سيتناول بالتّحليل الأسئلة الّتي طرحت آنفا. علاوة على ذلك سيتمّ اختتام الدّرس بنشر كتاب يتناول العمليّة برمّتها، بالإضافة إلى معرض سيقدّم في معرض قلنديا الدّوليّ في أكتوبر سنة 2016.

سيرة الفنان

ساندي هلال مهندسة معماريّة وباحثة. ترأّست برنامج البنية التحتية وتطوير المخيّمات في الضّفّة الغربيّة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) ما بين 2008 و 2014. كما أنّها من الأعضاء المؤسّسين والمدير الشّريك لجمعيّة «دار» للتّخطيط المعماري والفنّي (DAAR)، وهي مكتب معماريّ وبرنامج إقامة فنّيّة يمزج بين التّصوّرات المفاهيميّة والتّدخّلات المعماريّة. وقد تحصّلت جمعيّة «دار» على جائزة (Price Claus) في الفنّ المعماريّ، وعلى منحة من مؤسّسة المبادرات الفنّيّة (FfAI)، كما ظهرت في القائمة المختصرة لجائزة إياخوف شارنيخوف لفنّ العمارة. وبالإضافة إلى هذا، شاركت جمعيّة «دار» في العديد من البيينالات والمتاحف عبر العالم. (www.decolonizing.ps).

 

إلى جانب البحث والممارسة تهتمّ ساندي هلال بالبيداغوجيا النّقديّة. وهي من الأعضاء المؤسّسين لمشروع «جامعة في المخيّم» وهو برنامج تعليم تجريبيّ في مخيّم الدّهيشة لللاّجئين في بيت لحم (www.campusincamps.ps). كما شاركت في تأليف «فنّ العمارة بعد الثّورة» (Architecture after Revolution) الّذي صدر عن دار النّشر ستارنبيرغ (Sternberg) سنة 2014، ويمثّل هذا الكتاب دعوة لإعادة التّفكير في النّضالات القائمة اليوم من أجل العدالة والمساواة، ليس فقط من منظور تاريخيّ للثّورة وإنّما أيضا من منظور المقاومة المستمرّة للاحتلال.

 

كما شاركت هلال أيضا في أمانة العديد من المشاريع والمعارض الّتي تتناول الوضع الحضريّ المعاصر، مثل «أدوات الحدود» (Border Devices) بين سنتي 2002 و2007 ، و«مع التّعدّد» (With Multiplicity) بين سنتي 2001 و2003، و«أمّة بلا دولة» (Stateless Nation) مع أليساندرو بيتي بين سنتي 2002 و2007. وقد تمّ نشر مشاريعها في الصّحف والمجلاّت الوطنيّة والدّوليّة، مثل «نيويورك تايمز» و «إيل مانيفاستو» و «الأيّام»و«القدس» ومجلّة «آركيز». ودُعيت هلال للمحاضرة في عديد المؤسّسات الفنّيّة والجامعات الّتي نذكر منها: رواق تايت موديرن بلندن، وجامعة كولومبيا، وجامعة إيكستر، والجامعة الأمريكيّة ببيروت، وجامعة لندن، ومنتدى الفنّ العالمي بدبي، وجامعة بارد كوليج بنيويورك.


test