النسخ:

بالنّسبة إلى عملي السّينمائي الجديد سوف أعمل مع الرّوائيّ والصّحفي روبرت ماهاراج، من خلال استعمال تقنيّة «الجثّة البديعة» (exquisite corpse) لبناء قصّة الفيلم. وباستخدام مرجعين أساسيّين كنقطة بداية للعمليّة كلّها أسعى إلى توسيع العمل التّعاونيّ في مجال إخراج الأفلام، من خلال وضع التّعاون والبنية المفتوحة للعمل في قلب النّهج العمليّ للفيلم.

 

أحد هذه المراجع المركزيّة هي رواية «الجنّ» (Djinn) (1981) للكاتب ألان روب غرييه، وهي تشبه إلى حدّ كبير الرّواية البوليسيّة. وفيها تقوم الشّرطة بتفتيش منزل الرّاوي الّذي من المفترض أن يكون سيمون لوكور، لتجد مخطوط الرّواية على مكتبه. ويظهر على الصّفحة الأولى اسم المخطوط «الموعد» (Le Rendez-vous) الّذي يختلف عن عنوان الرّواية ذاتها. وتتناول رواية "الجنّ" حكاية سيمون لوكور، وهو شابّ في الثّلاثين من عمره التقى بفتاة أمريكيّة تدعى «جين» (جنّ) تلعب دور الشّخصيّة المناهضة للتّكنولوجيا. ويبدو من خلال أحداث القصّة أنّ جين/الجنّ قد قاد سيمون في رحلة بحث جنونيّة في باريس، ولكن يبدو أنّ ما خفي كان أعظم. وكان روب غرييه قد ألّف هذه الرّواية كردّة فعل للحدود الّتي فرضها على نفسه، حيث أنّ الفوارق تمّحي عن قصد في هذه الرّواية بين الحقيقة والخيال. وبتداخل الشّخصيّات والمزج بين الكاتب والرّاوي من العسير في رواية «الجنّ» أن نحدّد ما إذا كنّا نتعامل مع شخصيّة في ثوب عارضة أزياء أو مع شخص من الواقع المعيش. وفي النّهاية لا يصحّ كِلا التّأويلين.

 

 

أمّا المرجع الأساسيّ الثّاني فهو فيلم «المستوى الخامس» (Level Five) لكريس ماركر، وفيه تظهر الممثّلة الوحيدة في عالم افتراضيّ وتتحدّث عن موضوع ابتكار لعبة فيديو حول معركة أوكيناوا. وتمثّل هذه المعركة بعمليّاتها المأساويّة للكاميكاز الانتحاريّين نقطة سوداء في التّاريخ البشريّ. وبنفس الطّريقة يقترح عملي السّينمائي شخصيّة امرأة بمفردها تتقمّص في الآن ذاته دور أوّل إمبراطورة في الصّين: «وو زيتيان» وهي من زوّار المدينة ورحّالة عبر الزّمن في شكل مجسّد افتراضيّ. وأسعى من خلال ذلك إلى تناول صورة الرّمال المتحرّكة للزّمان والمكان، والأمواج المتعاقبة للخيال السّرديّ ذاته الّذي يلتحم بمكان معيّن. أمّا الرّواية التّاريخيّة فهي لشخصيّة «وو زيتيان» المثيرة للجدل، والّتي استطاعت أن تتحوّل من خليلة الإمبراطور إلى زوجته الإمبراطورة، وذلك من خلال تقديم ابنتها الرّضيعة قربانا وتوجيه اللّوم للإمبراطورة الموجودة حينها. إثر ذلك شنّت حربا على أبنائها، وكانت في الآن ذاته مولعة بالبوذيّة والشّعر، ونصيرة للنّساء في سعيهنّ نحو الرّفعة والسّلطة.

 

وستكون نتيجة هذا العمل فيلما يتمّ تصويره في مدينة جيان ولندن، ويدوم حوالي 30 دقيقة. ومدينة جيان (Chang'an) هي في الآن ذاته العاصمة الأولى للإمبراطوريّة الّتي توالت على حكمها السّلالات الأربعة، والعاصمة الحاليّة لتكنولوجيا المعلومات الّتي تتميّز بانتشار ثقافة اللّعب الإلكترونيّة فيها. وسيقع نسج هذه الجوانب المتعدّدة للمدينة في شكل مونولوج تقوم به امرأة واحدة، تحاول من خلاله اكتشاف مفاهيم مثل الموت والانبعاث من جديد، والتّساؤل عن إمكانيّة إعادة تخيّل العقائد البوذيّة التّقليديّة في المستقبل الرّقميّ لهذا العالم، بالإضافة إلى مسائل أخرى مثل الرّحلة عبر الزّمن والسّياسة الواقعيّة، وتاريخ السّلطة والجنس البشريّ المتضارب والمبنيّ على الوساطة، والّذي تتواصل تأثيراته إلى الوقت الرّاهن. وسيستأنس الفيلم بمجموعة من الصّور والتّراكيب وديكورات الأستوديو والمجسّدات الرّقميّة، بالإضافة إلى استعمال أطر ثابتة، والدّفع بعمليّة تفكيك الشّكل والمهارات الرّقميّة إلى حدّ لم أجرؤ عليه من قبل. وسيتمّ بشكل خاصّ اكتشاف كلّ هذا من خلال استعمال ديكورات الأستوديو والمجسّدات الرّقميّة والشّاشة الخضراء، وذلك للتّساؤل عن مفهوم الواقع في علاقته بالصّورة المركّبة. 

 

 

وسيتمّ تصوير الجزء الأوّل من الفيلم في موقع في مدينة جيان الصّينيّة، بالتّعاون مع «محطّة الفنّ المعاصر» (OCAT Xi'an) وقسم الأفلام في الأكاديميّة المحلّيّة للفنون الجميلة بجيان (XAFA) الّذان سيساهمان في التّمويل وتوفير المساعدة وفريق العمل لسلسلة من الخلفيّات الرّقميّة. كما ستتضمّن مواقع التّصوير ضريح الإمبراطورة «وو زاتيان» ومركّبا تجاريّا يحتوي على أكبر شاشة عرض بلّوريّة LCD في آسيا، بالإضافة إلى متحف جديد للفنّ المعاصر. كما أعتزم مواصلة عمليّة «الجثّة البديعة» (exquisite corpse) وأنا في غرفة الفندق في جيان، من خلال تبادل مراسلات وأجزاء من القصّة الّتي هي بصدد التّطوّر مع روبرت. وتتمثّل الفكرة في أنّ القصّة ستتشكّل بين فترة التّصوير في جيان وفي لندن. ومن المتوقّع أن يتمّ التّصوير في لندن على مدى يومين أو ثلاثة، ممّا يسمح بإنشاء ديكورات الأستوديو والشّاشة الخضراء والعمل مع جينيفر ليم (الّتي عملت معها في فيلم Piercing Brightness سنة 2013). وسيمنحهم هذا الأمر الفرصة لتوطيد علاقتهم المهنيّة بهذه الطّريقة التّجريبيّة المتعدّدة الجوانب.

 

وسيكون استخدام التّكنولوجيا والتّعاون كوسيلة لجسر التّواصل بين الأفكار الماضية والحاليّة لمسائل العالم الافتراضيّ والرّحلة عبر الزّمن خطوة هامّة في طريق التّنوّع التّقنيّ والفلسفيّ لممارساتي الفنّيّة. ومن خلال عمليّة التّطوير وباستشارة فلامين للإنتاج (FLAMIN  Productions) من المزمع تجريب السّيناريو – بالاعتماد على تجاربي على شكل السكريبت كأداة بحث للفنّان – والبحث في كيفيّة ابتكار المجسّد، والاستعمال الخاصّ للشّاشة الخضراء في علاقتها بكلّ هذا.

سيرة الفنان

يعمل شزاد داوود في مجال السّينما والرّسم والنّحت حتّى يتسنّى له وضع أنظمة من الصّور واللّغات والمواقع والرّوايات المختلفة جنبا إلى جنب، وذلك من خلال استعمال عمليّة المونتاج كطريقة لاكتشاف المعاني والأشكال في الأفلام والرّسوم. وتتضمّن ممارساته الفنّيّة التّعاون والعمل مع عديد المجموعات والأفراد في أماكن مختلفة، من أجل رسم خارطة مادّيّة ومفاهيميّة لخطوط من التّحرّي بعيدة المدى. وتصوّر هذه الشّبكات من الخطوط عديد المناطق الجغرافيّة والمجتمعيّة، وتهتمّ أساسا بفعل الانتقال وإعادة الإخراج. على سبيل المثال، يعيد مشروع فيلمه التّعاونيّ Feature (2008) نقل الأحداث من فيلم ويستيرن تقليديّ إلى الرّيف الإنقليزيّ، فيمزج بذلك بين الأصناف الفنّيّة الفرعيّة مثل أفلام الزّومبي والأفلام الآسيويّة وأوبيرا فاغنير (بما في ذلك ظهور خاطف للفنّانين جيمي دورهام ودافيد ميديلا). ويسعى أحد آخر أفلامه ( 2014 Towards the Possible Film) الّذي تمّ تصويره في سيدي إفني بالمغرب إلى سبر أغوار المعنى الأتثربولوجيّ لمفهوم «الأصليّة» من خلال فيلم يندرج ضمن الخيال العلميّ.

 

وقد تمّ تقديم أعمال داوود في عديد المعارض الدّوليّة الّتي نذكر منها: متحف الفنّ الحديث بنيويورك سنة 2015، وبيينال تايبي في تايوان سنة 2014، وبيينال مرّاكش بالمغرب سنة 2014، ومتحف الفنّ المعصر ببرشلونة (MACBA) سنة 2014، ومركز الفنّ المعاصر بأمستردام سنة 2013، ورواق الفنّ الحديث بأوكسفورد سنة 2012، وبيينال بوزان في كوريا الجنوبيّة سنة 2010، ورواق تايت بريطانيا (Tate Britain) بلندن سنة 2009، والدّورة الثّالثة والخمسين من بيينال البندقيّة سنة  2009. وكان داوود قد قدّم في الآونة الأخيرة عروضا فرديّة في فضاء Pioneer Works في بروكلين بنيويورك سنة 2015، و(Parasol Unit) بلندن سنة 2014، ومحطّة الفنّ المعاصر (OCAT) في جيان بالصّين سنة 2014. كما تمّ عرض فيلمه (Piercing Brightness) سنة 2013 في عديد الهمرجانات الدّوليّة، ووتمّ توزيعه من طرف (Soda Pictures) على (Blu-ray/DVD) و (iTunes)، بالإضافة إلى عرضه في متحف الفنّ الحديث بنيويورك.

 

وفي العام 2012 ترشّح شزاد داوود لنيل جائزة «جارمان»، وكان أحد الفائزين بجائزة أبراج كابيتال للفنون سنة 2011.

 

ولد شزاد داوود في لندن سنة 1974، وتلقّى تدريبا في جامعة (Central St Martin's) وفي الكلّيّة الملكيّة للفنون، قبل أن يتحصّل على الدّوكتوراه من جامعة ليدز. فضلا عن ذلك فهو عضو باحث في الوسائط التّجريبيّة بجامعة ويستمينستر، ويعيش ويعمل في لندن.


test