النسخ:

«يوجد نمطان لتقبّل المعمار: إمّا أن نستعمله أو أن نتأمّله.»

—والتر بنيامين

ot-image-01-book-cover-_w.jpg

Fantasies and Realities: Reflection on Architecture book cover. Barzakh, Algeria, 2008.
Fantasies and Realities: Reflection on Architecture book cover. Barzakh, Algeria, 2008.
 
غلاف كتاب، «الخيال والواقع: تأمّلات في فنّ العمارة»، دار نشر برزخ، الجزائر 2008.

كان فنّ العمارة دائما ما يعكس الحالة الاجتماعيّة لمختلف الحقبات الزّمنيّة، وقد عبّرت أغلب الدّول والحضارات منذ القدم عن عظمتها وأبّهتها من خلال المعمار. ويمكن لنا من خلال فنّ العمارة التّعرّف على مختلف الحضارات على مرّ الأزمنة وفي مختلف المناطق في العالم، والتّمتّع برؤية المعالم الأثريّة وكأنّها كتب تاريخ مفتوحة، وتخيّل التّركيبات الاجتماعيّة الّتي سكنتها، وتصوّر نمط الحياة والتّحدّيّات التّاريخيّة الّتي واجهت الشّعوب الّتي سبقتنا.

 

«الخيال والواقع: تأمّلات في فنّ العمارة»كتاب يتمثّل في مجموعة من النّصوص ألّفها جون جاك دوليز المختصّ في الهندسة الحضريّة، ووقع نشرها في المجلّة الأسبوعيّة «نقاشات» (Les Débats ) خلال العام 2007. وانطلاقا من تجربته في الهندسة والتّعمير يتناول المؤلّف بكلّ دقّة وبساطة مختلف الإشكاليّات الّتي تحيط بفنّ العمارة في الجزائر ويقدّم لنا حلولا قيّمة تمكّننا من استيعاب تلك البيئة الّتي ما انفكّت تنهار وتتدهور. ويمكن للقارئ أن يقتفي ما بين السّطور التّأثيرات الّتي تتسبّب فيها المسائل السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة الّتي تعيشها الجزائر.

 

وفي العمل الّذي أنا بصدد إنجازه أتناول المواضيع الّتي أستلهمها من المجتمع لخلق عدد من التّعابير الفنّيّة. أمّا فيما يتعلّق بهذا المشروع فإنّني أسعى إلى التّقدّم في أبحاثي من خلال الاعتماد على تأمّلات جون جاك دوليز، وأنوي القيام على مستوى الشّكل بسلسلة من الأعمال الفنّيّة والتّنصيبات والصّور الفوتوغرافيّة وأعمال الفيديو. وسيتمّ تقديم المشروع في النّهاية في شكل معرض فرديّ وكتاب معدّ للنّشر.

 

 

--- الصورة 01 ---

 

وبالعودة مجدّدا إلى الأبراج والبنايات الضّخمة المهيبة، فإنّ الأمر لا يتعلّق باتّخاذ موقف يمعن في التّشدّد في شأنها، وإنّما يمكن أن نفسّر قيام هذه المشاريع الّتي فيها الكثير من الإقدام والتّحدّي بروح المنافسة الّتي تطغى على هذه الأقلّيّات المجتمعيّة والحاجة إلى تثمين هويّتها. وفي الواقع أنا لا أكترث كثيرا لها وإنّما يمكن أن نفهم الأسباب الّتي دفعت إليها: برج دبي مثلا الّذي يبلغ طوله 512 مترا هو على جانب كبير من الغرور الّذي يثير الاستياء، ولكنّ الأولويّات التّكنولوجيّة الّتي غلبت على الجانب الشّكليّ فيه منحته شيئا من الاتّزان والوقار، وكذلك المئذنة الأعلى في العالم الّتي تريد الجزائر بناءها، فإنّ القائمين على هذا المشروع يتناسون أنّ الدّور الأساسيّ للمئذنة هو إبلاغ صوت المؤذّن عند كلّ صلاة، فمن الّذي سيسمعه وهو على ارتفاع 300 متر؟

 

--- الصورة 02 ---

 

أوّلا لماذا كلّ هذا التّركيز على الصّورة، وعلى قصّة تحاكي روايات ألف ليلة وليلة؟ لماذا الاستثمار في عمل لا يمتّ للثّقافة ولا للتّرفيه بصلة؟ كان عليهم أن يشيّدوا منازل للنّاس لا غير.

 

ثانيا، إذا كانت الغاية من ذلك إضفاء مسحة من الجمال والزّينة على المشهد الحضريّ، كان عليهم أن يقوموا بهذه المشاريع للرّقيّ بصورة المدينة في الأماكن الّتي يكثر فيها التّنشيط والسّيّاح: أي في وسط المدينة. لا تحتاج الضّواحي لأن تكون جميلة بما أنّنا نادرا ما نذهب إليها. ونتذكّر في هذا السّياق حكاية خيول ديار المحصول (الّتي ألّف بشأنها بيلاهانتور قصّة قصيرة في مجموعة من الأقاصيص تحمل نفس الاسم)، حيث تمّ نقل النّافورة الّتي شيّدها بويون (Pouillon) أسفل برج ديار المحصول ووضعها بطريقة مشوّهة في مفترق الطّرق في شارع غرّة نوفمبر.

 

--- الصورة 03 ---

 

ولكنّ التّنامي المفرط فيه للمدينة يمكن له أن يعصف بهذه الميزة الأساسيّة، فالأنهج هي فضاءات مخصّصة لسكّان المدينة، ولكنّها لا تستجيب لحاجيّاتهم المستحدثة من حيث الرّفاه وفسح المجال والهواء النّقيّ. ثمّ إنّ الشّكل الهندسيّ لهذه الأنهج وبناياتها القديمة تعكس بساطة برامج التّعمير وتجزءتها، فهي إمّا برامج موغلة في التّعقيد والتّنوّع وإمّا يطغى عليها نمط واحد، ممّا يجعل كلّ محاولة لتنفيذها ضربا من الخيال والوهم.

 

[...]

 

ينبغي إعادة ابتكار مدينة القرن الحادي والعشرين من خلال أهداف جديدة ومستحدثة: يجب أن يغلب الرّفاه والعيش الكريم على الهيبة والأبّهة، ويجب أن لا تطغى المضاربات الماليّة على قواعد التّنمية المستدامة. وعلى نحو ما، للجزائر بعض الأسبقيّة على مستوى العالم، بما أنّها في النّقطة الصّفر في هذا المجال.

 

--- الصورة 04 ---

 

وفي مجال فنّ العمارة الّذي يُكنّى بالحديث، والّذي وقع تشويهه بالقوالب الجاهزة وبشكل من العقلانيّة العبثيّة ونوع من الجفاء الهندسيّ، فإنّ المعركة الّتي كانت خاسرة مسبقا لم تقع أبدا. فقد أضحت السّلطة الأبويّة تتحرّك وفق نظام مزيّف من الشّكلانيّة والأنماط، وأصبح من الضّروريّ أن تعبّر قوى المال الّتي تدعمها السّلطة السّياسيّة عن هيمنتها في هذا الفضاء، وتسعى إلى أن يناشدها النّاس ويفوّضوها أمرهم من خلال هذا التّعبير. إذا ستقوم هذه القوى في الاستثمار في الهيبة والعظمة والضّخامة، وفي الابتكار مهما كان الثّمن، من خلال اشتراء مهندسين معماريّين فرحين بما سيغنمونه من مال، سيتزايدون على الجودة المميّزة للصّورة. أقول جيّدا «الصّورة» لأنّها لا تعكس في الحقيقة إلاّ مجدها وعظمتها. فلا مجال للحديث في هذا السّياق عن الطّبيعة أو الموقع أو المشهد أو رفاهيّة عيش المتساكنين، والتّنمية المستدامة ليست إلاّ من قبيل الشّعارات الخاوية من كلّ معنى.

 

--- الصورة 05 ---

 

2. علامات الهويّة

 

[...]

 

ولكن حدث أمر يستحقّ المتابعة: من المهمّ التّذكير أنّ المتساكن العاديّ في الجزائر ليس إنسانا آليّا (إلى أن يثبت العكس)، ولكنّ المساكن الجماعيّة الّتي تأويه والّتي شُيّدت منذ أكثر من ثلاثين سنة من طرف الإدارات والشّركات المسؤولة عن التّعمير في البلاد هي قائمة على التّنميط وإخفاء الهويّة وتوحيد المعايير إلى درجة أنّ الفرد لا يستطيع التّعبير عن ميولاته وهويّته إلاّ من خلال وضع واجهات حديديّة – كلّها مختلفة – للنّوافذ، أو ستائر للشّرفات من الصّفائح المعدنيّة، أو ألواح للحفاظ على حميميّة المساكن، إلخ. إذ يمكن للنّاظر أن يلحظ التّوتّر القائم بين المتساكن وإطار عيشه في المحيط الحضريّ.

 

--- الصورة 06 ---

 

 

 

التّنميط، والرّتابة النّاتجة عن توحيد المعايير، والارتفاع المنتظم للمباني، وتكرار العناصر المكوّنة للواجهات والمداخل بحذافيرها، كلّ هذا يولّد شعورا بالنّكد والكآبة لا يمكن أن يمحيه أيّ شيء، ويزيد من تجهّمه الغياب التّامّ للأشجار والنّباتات. إذ يمكن أن تجد الهيكل العامّ للمباني في المدينة هنا أو في أيّ مكان آخر. ويتّفق أحيانا أن تشاهد بنايات شبيهة ببعضها سواء كانت في مدينة في جنوب البلاد أو على ساحلها !وهذا ما أسمّيه البؤس الثّقافيّ.

 

سيرة الفنان

ولدأسامة الثّابتي سنة 1988، وهو فنّان بصريّ يعيش ويعمل في الجزائر العاصمة. تحصّل سنة 2012 على شهادة من المدرسة العليا للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة.

 

وتتناول أعماله الفنّيّة عموما الصّورة في كلّ جوانبها المتعدّدة في الفنّ. ومن خلال استخدامه لما توفّره الصّورة اليوم من بدائل للتّعبير في الفنّ التّشكيليّ يحاول الثّابتي التّموقع ونقد التّغيّرات والظّواهؤ الّتي تطرأ على المجتمع وعلى العالم الّذي يعيش فيه. ويمكن رؤية هذا الاهتمام الّذي يعيره للوقائع والأحداث اليوميّة في أغلب أعماله الفنّيّة الّتي يقدّمها في مختلف المعارض الدّوليّة الّتي شارك فيها، خاصّة بيينال المبدعين الشّبّان من أوروبّا والمتوسّط في سكوبي بمقدونيا سنة 2009، والمهرجان الدّولي للفنّ المعاصر (FIAC) في الجزائر العاصمة سنة 2011، وفي بيينال DAK'ART للفنّ الأفريقي المعاصر في داكار سنة 2012، وفي تظاهرة «لحظات فيديو» (Instants vidéo) في مرسيليا سنة 2012، وفي بيينال الفنّانين الشّبّان (MEDITERRANEA 16) في أنكون بفرنسا سنة 2013.


test